لا داعي للقلق

وَفِي تِلْكَ الأَثْنَاءِ، إِذِ احْتَشَدَ عَشَرَاتُ الأُلُوفِ مِنَ الشَّعْبِ حَتَّى دَاسَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، أَخَذَ يَقُولُ لِتَلامِيذِهِ أَوَّلاً: «احْذَرُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ النِّفَاقُ! فَمَا مِنْ مَسْتُورٍ لَنْ يُكْشَفَ، وَلا مِنْ سِرٍّ لَنْ يُعْرَفَ. لِذَلِكَ كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي الظَّلامِ سَوْفَ يُسْمَعُ فِي النُّورِ، وَمَا تَحَدَّثْتُمْ بِهِ هَمْساً فِي الْغُرَفِ الدَّاخِلِيَّةِ سَوْفَ يُذَاعُ عَلَى سُطُوحِ الْبُيُوتِ.

عَلَى أَنِّي أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لَا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ ثُمَّ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَفْعَلُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. وَلكِنِّي أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الْقَادِرِ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ بَعْدَ الْقَتْلِ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ، مِنْ هَذَا خَافُوا! أَمَا تُبَاعُ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ بِفَلْسَيْنِ؟ وَمَعَ ذلِكَ لَا يَنْسَى اللهُ وَاحِداً مِنْهَا. بَلْ إِنَّ شَعْرَ رُؤُوسِكُمْ كُلَّهُ مَعْدُودٌ. فَلا تَخَافُوا إِذَنْ، أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!

وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي أَمَامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضاً أَمَامَ مَلائِكَةِ اللهِ. وَمَنْ أَنْكَرَنِي أَمَامَ النَّاسِ، يُنْكَرْ أَمَامَ مَلائِكَةِ اللهِ. وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً بِحَقِّ ابْنِ الإِنْسَانِ، يُغْفَرُ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ ازْدَرَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ!

وَعِنْدَمَا يُؤْتَى بِكُمْ لِلْمُثُولِ أَمَامَ الْمَجَامِعِ وَالْحُكَّامِ وَالسُّلْطَاتِ، فَلا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَاذَا تَرُدُّونَ، وَلا بِمَا تَقُولُونَ! فَإِنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ سَيُلَقِّنُكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ عَيْنِهَا مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوا».

وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الإِرْثَ!»

وَلكِنَّهُ قَالَ لَهُ: «يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِياً أَوْ مُقَسِّماً؟» وَقَالَ لِلْجَمْعِ: «احْذَرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ. فَمَتَى كَانَ الإِنْسَانُ فِي سِعَةٍ، لَا تَكُنْ حَيَاتُهُ فِي أَمْوَالِهِ».

وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً، قَالَ «إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَنْتَجَتْ لَهُ أَرْضُهُ مَحَاصِيلَ وَافِرَةً. فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ وَلَيْسَ عِنْدِي مَكَانٌ أَخْزِنُ فِيهِ مَحَاصِيلِي؟

وَقَالَ: أَعْمَلُ هَذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ مِنْهَا، وَهُنَاكَ أَخْزِنُ جَمِيعَ غِلَالِي وَخَيْرَاتِي. وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ، عِنْدَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ مَخْزُونَةٌ لِسِنِينَ عَدِيدَةٍ، فَاسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!

وَلكِنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: يَا غَبِيُّ، هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَلِمَنْ يَبْقَى مَا أَعْدَدْتَهُ؟

هَذِهِ هِيَ حَالَةُ مَنْ يَخْزِنُ الْكُنُوزَ لِنَفْسِهِ وَلا يَكُونُ غَنِيًّا عِنْدَ اللهِ!»

ﻟﻮﻗﺎ

هذا المنشور نشر في أدب, الكتب, الإِيمَانِ, حياة, حب وكلماته الدلالية , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

اترك رد